يتعرض الانسان لكتلة من الاصطدامات تجعله يأسس دافعا معين ليقوم بتحديد مواقفه أمام الأحداث، في كل مرحلة نقوم باستخراج نتاج فكري أحيانا يكون فطري وأحيانا أخرى نكتسبه مع الوقت من ذات الحياة، لكن الضرورة لا تقتضي فقط عامل ممارسة ولغة وحوار وتعبير، بل أشياء نتحمل مسؤوليتها من حيث المضمون، وكيفما جائتنا المسلمة أو المعلومة بشكل عام يقوم العقل بوضع تعريف لها ويصنفها باحدى التوجيهات حسب مصداقيتها والطريقة التي وصلت بها، ولو تعمقنا أكثر سنكتشف غمامة سوداء تشير الى تساؤلات عديدة أبرزها سيكون عن ماهية الحديث ؟ وما هو مضمونه ؟ ولماذا هذا الغموض ؟

نحن لا نستطيع تحمل محاسبة أنفسنا ولا نستجيب لوقفات الشعور ولا نكترث لكل ما يتعلق برابط التقويم النفسي ومراجعة حسابات، طبيعي جدا ما دام العقل هو أكثر الأشياء تعقيدا في الإنسان ولو لزم ترك كل شيء والتفرغ فقط لدراسة مقتصرة على العقل فقط من بداية الحياة حتى فنائها لن نستطيع التوصل سوى ل % 1 من اجمالي أسراره، هذا ان صممنا على تحمل النتائج التي سنبلغها بالأخير .
1- ما سر الحكمة التي يتباهى الإنسان بها أحيانا أو ننسبها نحن لأشخاص اخرين ؟
أصبحنا نزاول مهام متفرقة من حيث النوعية، وقمنا بتقسيم مفهوم الحكمة على أقسام عديدة منها حكمة المبدأ، حكمة الموقف، حكمة الطريقة، حكمة الأهداف، حكمة السلوك، وغيرها كثير جدا، فهل الحكمة تستخرج من نوعية القرارات كي تفيدنا في مسلك الحياة ؟ أم أنها عبارة عن موال نتغنى به كلما أتيحت الفرصة ولا يهم مصداقيتها ؟
سؤال لا يحتاج الى جواب فنحن نعلم أننا تمادينا كثيرا في تزيين الكلام من منطلق التملق والمصلحة، وفي الأساس الحكمة غائبة عن كل النطاقات التي يتخذها المرء سبيلا لمقصد معين وكذا لترويج أفكار معينة، ومادمنا سندخل الشيء حيز الحكمة فغالبا ما يشتهر ويعتمد من طرف الاخرين وهذه احدى البديهيات التي يستطيع أن يتوصل لها العقل وليست صعبة عليه، يكفي فقط تحليل المسلمة وتشفير أفكارها وستجد حتما خلل عظيم لا ينتبه اليه المستمع بل ولا يكثرت اليه حتى من نسب اليه صفة الحكمة وستبقى دائما وأبدا حكمة المخلوق نسبية ومتدنية جدا ولا وجه لمقارنتها مع حكمة الخالق المطلقة .
2- هل نجاح الوسيلة يعني بكل المواقف مصداقية الطريقة المعتمدة ؟
الوسيلة هي من بين الأشياء التي نحتاجها دائما عبر مساراتنا وكل مرحلة تقدمية بالحياة تقتضي منا دافع جديد للبحث عن الوسيلة، لكن لا يتحقق المنطق بالمصداقية، فمثلا اذا قمنا بسلك طرق نظيفة بوسائل لا تلمسها الشوائب سنتضطر للاستغراق طويلا في البحث عن المبدأ المعتمد وهذا راجع بالأساس الى غياب تفضيليات وغياب وسائط وكذا تقطع أحبال المصالح، اذا نحن نعايش مجتمعات تغيب فيها الوسيلة النزيهة، وهذا يجبرنا على الوقوع في الخطأ للوصول الى الهدف، في الواقع وبطريقة دعابية نحن لا نعتبر نهج الخطأ في مسايرة الوسيلة من ضمن الأخطاء ونبرر ذلك بصدق الغاية المنشودة، أكيد تبرير مازح لن يستوعبه صاحبه قبل غيره، فبكل بساطة الوسيلة تغير مبدئها وصارت تقترن بالخطيئة قبل بلوغها .
3- هل الغاية النزيهة ما زال لها أثر على الوجود أم أنها صارت حطام الماضي وموضة قديمة ؟
عندما نكون في مرحلة الشباب تتوسع لدينا أحلام وتمنيات، وتبقى عالقة في أذهاننا كل يوم نبدأ نهارنا بها عسى أن يأتي يوم يرتبط توحدها مع الواقع، وبعد ذلك نلاحظ أنه لم يتحقق أي شيء من التمني على سرير الكيان، نبلغ النجاح ونتسلق الغايات دون تلك التي وضعنا لها رمزا وبصمة من قلوبنا، وغالبا ما تكون غاية التمني نزيهة ومفعومة بالحيوية والعطاء لكنها تضيع بكل بساطة، فنحن لا نملك سلطة لاستنساخ ما يلج بالكيان نحو الحقيقة، نملك فرص ومحكوم علينا اخيارات وملزومي تتبع توجيهات محددة .
4- هل الغضب ناتج يسببه المجتمع فينا أو نستعمله لفرض أحكام معينة أو موقف مفروض على الإنسان ؟
سمة الغضب مقترنة بالبشرية منذ النشأة الأولى للخلق ولا تزال بوادرها تستفحل بشدة على شتى المواقف، لكن ما يهمنا بالضبط هو معرفة أسبابه، نستطيع ممارسة حق الحياة بشكل طبيعي ولكن الغضب موجود بداخلنا، نغضب اذا كنا غير مقتنعين بأفكارنا، نغضب اذا لم تتوفر الأشياء التي نحن في حاجة اليها، نغضب اذا عاملنا الغير معاملة سيئة، نغضب اذا قمنا بضياع ورقة مهمة من حياتنا، نغضب في صمت وبدون أسباب محددة، نغضب على الحياة في حالة إذا كانت قاسية معنا، نغضب على المجتمع والأصدقاء والأحباء، فخلال اليوم الواحد لابد أن نصطدم بجزء من الغضب، لا مفر سوى المواجهة ومحاولة تحكيم النفس من التمادي فيه .
5- لماذا الضرورة للاستسلام وما الدوافع التي تقود اليه وكيف نتخطا هذا الخط الأحمر ؟
ترمز الحياة بموازاة مع كل المجتمعات لبعض التفاوتات من حيث سبل العيش والمستلزمات، فلا يستطيع المرء أن يحكم على غيره دون مراعاة ظروفه ولو كانت بعض المواقف لا تستدعي ذلك بحكم فضاعة النتيجة انما يفترض المعايشة بشكل متوازي قصد فهم الظواهر وايجاد مخطط بعد الدراسة، فاذا مثلا غابت متطلبات الحياة ولم يبقى فيها جزئياتها الضرورية تفتقد النفس لشهوة الحياة وتدخل في دوامة من الحسابات تشير الى حالة من اليأس والتذمر، وبهذه الحالة لا يستطيع الفرد التمييز بين المنطق أو غيره ما دام الاختلال يطغى عليه من كل جانب، حسب كل هذه المعطيات يمكننا الحسم من هذا الجانب أن ضحية الاستسلام واقع مر ولم يتحقق هناك اختيار، وهذا مبدئيا فقط، فلا يمكن أن ندلي بحجج مادية لا تحمي بالأساس النفس وهي محور الحياة، فالعقل يتوفر على حلول بديلة ومجانية يكفي أن نفكر ونستنبط أحسن ما يمليه علينا في مثل هكذا أوضاع مهما كانت مزرية ومخيفة لا يمكنها قهر العقل، فهناك جزء منه لا يحتاج لمعنويات ولا أرضية ملائمة، بل فقط على شاكلة مجردة يمكنه أن يصنع العجائب .
6- هل الفشل نتيجة نهائية أم بداية تقتضي التغيير ؟
كم منا يعتبر نفسه فاشلا ويحاسب نفسه على ذلك، ويبدأ في اللولوة، لو فعلت كذا لوصلت لكذا، أو لو قمت بتغيير هذا الشيء لاستطعت أن أكون مع هؤلاء، فماذا سينفع النفس اذا صرنا نتحدث بلغة الماضي القريب ونحن نتربص فوق قوقعة الفشل هل سيتغير مضمون الأحداث ؟ بالتأكيد لن يتغير شيء من الذي مضى لكننا نستطيع تغيير الحاضر والمستقبل معا، وهذا يعني أننا فقدنا واحد من ثلاثة ومازال بحوزتنا اثنان واحد منهما ينقضي بسرعة وهو الحاضر القريب والاخر في حالة تمديد دائم وهو المستقبل القريب الذي سيلعب دور الحاضر والمستقبل البعيد، فكيف نتجرع طعم الخسارة والفشل بسهولة ونحن في تزامن جديد يحتاج الى انطلاقة جديدة ؟ وربما تكون أفضل من مسارنا الأول كونها مبنية على تجارب الماضي .
7- هل العبرة ندركها بالعقل أو نمسكها باليد ومن أين يأتي مصدرها وهل سنعتبرها مطلقة ؟
إن دائرة الحياة تشكل اطلالة تمر بجانب المرء بأوقات متفاوتة، وهي تحمل في طياتها مضامين مركزة من الأفكار والنظريات، معرفة الشيء تعني جهله بمؤشرات أخرى ولا ينبغي أن نحصر المعرفة في صيغة المطلق، صعب جدا أن نتوصل لمفاهيم الحياة المطلقة ببساطة، لذلك فنحن لا نستعين بالدقة ولا نكثرت لنسبة الصواب أو الخطأ اللذان يشملان المعلومة بقدرما نستهلك منها أفكارا مشحونة بوقائع قد تهمنا في مسلكنا عبر الحياة، لكن من بين العبر هناك التي تصل الى منزلة القدوة وهنا تكمن خطورة الوضع في حالة اذا كانت المعلومة لا تحمل قياسا مضبوط، فنحن لسنا بفلاسفة ولا علماء، نأخذ من العبرة مجالا ولا نهتم بالحجة والتجربة ولا حتى اسقاطات علمية عن تجارب الغير، اذا كان حامل الفكرة يهمنا ونحترمه فنحن نقتبس بعضا من أفكاره، وكل عبرة تأتي بطرق بسيطة كمثل نقاش أو أحداث يكون مفعولها سلبيا بحكم بساطة بلوغها، فليس سهلا أن نجد عبرة يقتدى بها ولها مرجعية تشمل مصداقية مقبولة الى حد ما، يجب الحذر كثيرا عند التلقي وكيفما كانت المعلومة يلزمنا عرضها على العقل والتدبر في محتوياتها .
8- لماذا نتجاهل بعض القيم النبيلة فينا قصد ارضاء الغير ؟
إن شخصية الانسان عند اقترانها بالمجتمع تغيب عنها رموز مهمة في التمييز، ولا تكتمل صورة المرء بمبعد عن بعد المواصفات والتي غالبا ما ندعي أننا نخبئها لأنفسنا لأنها تعتبر من أسرارنا الشخصية، الأمر ليس كذلك بل الأصح هو أننا نقوم بتجاهلها كي لا تأثر سلبا على مردودية علاقاتنا بالمجتمع، رغم أنه من ضمنها العديد من القيم النبيلة والتي قد تضفي جمالا باهرا علينا، لكننا نسجنها و لا نحررها ولا نظهرها أمام المجتمع، فنحن نود أن نختار أوجه معينة تكون أكثر أمان عند مشاركة الغير في الحوار وكذا في باقي الارتباطات، ولا ندرك مخلفات النتائج عند ممارسة هذا التجاهل ضد النفس، فبهذا السلوك التعسفي نقصي شيئا فشيئا الجانب المضيء من شخصيتنا والذي باستطاعته ابتكار مواهب فريدة من نوعها، كأننا نقصي الذات ونعيش بمكتسبات الغير .
9- هل العزيمة لها أوجه تضعف فيها أم أنها هبة خارقة لا تنقضي ؟
العالم مثير جدا يحتوي على مأثرات عديدة لا تحصى ولا تحصر منها ما يعلمنا الحفاظ على التوازن ومنها ما يضعف قدراتنا، ولا نستطيع الجزم في نقط عديدة التي نكتسبها من العالم تبقى عالقة في أذهاننا ونستعملها في بعض المواقف اذا قام العقل باستحضارها بالوقت المناسب، أهم شيء يستوجب التركيز عليه هو مهما أخذنا من العالم لا نحاول اقصاء العقل أمام الانجراف الحسي حتى لا نفقد شهية الطعام، أما الحديث عن العزيمة فليس لها قيود ولا مجالات تضعفها بشرط عدم الخضوع للجانب الحسي ونقتصر عليه دون عرض محتوياته على العقل .
10- هل احتمال الوقوع ضحية تلاعب واردة أم أن لدينا حماية جذرية يمكننا الاستعانة بها ؟
في مكان معين من العقل لا يمكن تحديده بمؤشر الألفاظ والعبارات توجد بصمات حدسية نستطيع على اثرها اكتشاف من خلال أفعال الناس مصدر التلاعبات ولكن هذه الحالة مستبعدة وغير ناجعة عند معظمنا بحكم أن نواة الحدس لدينا في حالة خمول ولا نستعملها وبالتالي فلن نستطيع اخراج محتوياتها في ليلة وضحاها، فئة نادرة من اليشر بامكانها التفاعل مع هذه الحاسة، وهذا مع الأسف يقودنا لنكون عرضة للتلاعبات ولا تكمن المشكلة هنا بالذات، فنحن نتفاوت في النتيجة من شخص لاخر، فمنا من يعتبر التلاعب الملحق به تجربة من التجارب ويستمر حياته بشكل طبيعي ومنا من تتبعثر أوراقه ويرفض الاستمرار، حسب نوع التلاعب وأقرب الحالات للاحباط هي التلاعبات العاطفية .
11- كيف يتحول المرء فجأة الى حالة الغرور وماهو مصدرها بالدرجة الأولى ؟
ربما لا نستطيع اثبات الذات بدون أسلوب لبق، وهذا يحتاج منا الى المسايرة وتنظيم شامل لشخصيتنا، لأن الانسان محكوم عليه بتجديد نفسه حتى يجذب الغير اليه، لكن شهرته تبقى مقيدة بعلاقاته، فمثلا اذا كان العالم خالي من الناس وفرد واحد فقط يعيش داخله فلا حاجة لشهرته ولا موهبته سيحتاج فقط ابتكار تقنيات الحياة كي يتحمل وجوده دون غيره، وهذا المثال موجه لمن يشعر أن بنفسه ضاعت في متاهات الغرور، فغرورك مقترن بوجودك وسط المجتمع وهو يعتبر أضحوكة في حق نفسك، لا مالك ولا جاهك ولا كنوزك ستحدد مكانتك دون مبادئك، واذا اعتمدت عليها في تحقيق الفوارق بينك وبين الغير فستكون أفقر واحد منهم ولن تحدد شيئا بغرورك سوى ظلام التجاهل القاتم .
12- هل التظاهر بشيء نفتقده ولا نمتلكه في الأساس هو شكل من أشكال الجنون المكتشفة حديثا ؟
في كل الأحوال وعلى شتى الطرق نستطيع بناء عالمنا الخاص الذي يمكننا العطاء فيه والتجاوب مع العالم الخارجي عبره، ونحن نحدد صفات اختيارنا بتناسق مع ميولنا الفطري، نفكر تدريجيا في احتراف عالمنا وتوصيله للعالم، وهذه هي الطريقة الصحيحة التي تجنبنا من المسارات الخاطئة، لكن هناك في المقابل البعض منا يحاولون جاهدا ارغام أنفسهم على مسارات ليست من اختصاصاتهم، ربما تكون مفروضة عليهم في حالات معينة وهذه الفئة تتعايش مع الواقع وليس لها حلول كثيرة في حسم الاختيار، ومنهم من يتقمصون أدوارا ليست منهم في شيء ويريدون أن يتخدوا اختصاصات غيرهم أولى منهم بها، يتظاهرون بالمعرفة بحماس كبير كمثل من يهوى لاعب كرة القدم ميسي فتولد عنده هاجس أن يصبح لاعب محترف لكرة القدم وهو مشلول تماما بهذه اللعبة، ولا يكترث بتاتا يعيش الكذبة بحماس .
وبعد اكتمال مولدات العقل الإثني عشر نستطيع التوصل لمركز التوحد الذي يجمع بينهم داخل سياق واحد وهي العبارة التالية :
حكمة الخالق في الكون لا تقتضي منا أن نتخذ الإيمان وسيلة لبلوغ ما وعدنا به ولكن الهدف من الخلق هو أن نتخذ الله غاية في عبادة رضوانه الأعظم، حتى نتمكن من رفع غضب النفس والابتعاد عن هاجس استسلام الذي يقودنا إلى فشل الروح واندحارها، وهذه هي عبرة سر الوجود التي ستكتمل فقط بإزالة تجاهل الوعد المشهود في العهد الأزلي من ذواتنا والتفكير في عزيمة الامتثال بقلب سليم حتى لا تهزنا تلاعبات الحياة فنخضع أمام غرور متاعها، والفتنة الكبرى هي تظاهر الشيطان بصفات عديدة كي يبعدنا عن سر هذه الحقيقة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق