تقديم
ويا أُمَّة الإسلام، والله الذي لا إله غيره إنكم لن تتبعوا الحقّ حتى تنسوا الروايات التي بين أيديكم عن أسلافكم فقد أضلّكم علماؤكم عن سواء السبيل بسبب تفسيرهم لكلام الله بالظنّ الذي لا يُغني من الحقّ شيئاً، وأعوذُ بالله أن أكون كمثل عُلمائكم الذين اتبعوا أمر الشيطان وعصوا أمر الرحمن، ولربما يزأر على المهديّ المنتظَر أحد علماء الشيعة أو السنة والجماعة وكأنه ليث غضنفر وهو مُعرض عن الذكر فيقول: "احترم نفسك يا من تزعم أنك المهديّ المنتظَر فتقول على علماء المسلمين أنهم أطاعوا أمر الشيطان وعصوا أمر الرحمن، فكيف تكون المهديّ المنتظَر وأنت تفتري علينا نحن علماء الأمَّة المرشدين للبشر في جميع الأقطار؛ بل نحن أنوارٌ على المنابر في بيوت الله لتذكير البشر". ومن ثمّ يردّ عليه المهديّ المنتظَر وأقول: فبئس الذكر ذِكركم و بئس الوعظ وعظكم وبئس العلم عِلمكم إلا قليلاً.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدي محمد رسول الله وآله الأطهار، وجميع أنصار الله في الأولين وفي الآخرين إلى يوم الدين، أما بعد..
أقسمُ بمن رفع السبع الشداد وثبت الأرض بِالأوتاد أنكم اتبعتم أمر الشيطان الذي أمركم أن تقولوا على الله مالا تعلمون، وعصيتم أمر الرحمن الذي أمركم وحرّم عليكم أن تقولوا على الله مالا تعلمون، فأعرضتم عن أمر الرحمن واتبعتُم أمر الشيطان، وفسرتُم القرآن من ذات أنفُسِكُم بالظنّ الذي لا يُغني من الحقّ شيئاً، ولذلك اتبعتم مُتشابهه وأعرضتم عن مُحكمه الذي لا يحتاج لتأويل وهو الحقّ المُحكم من ربّكم.
ولكن في قلوبكم زيغٌ عن الحقّ الأبلج في الآيات المحكمات، وأمركم الله أن تتبعوا آيات الكتاب المحكمات البيّنات لِعالمكُم و جاهِلكُم، وأما الآيات المتشابهات فلم يأمُركم الله إلا بالإيمان بها فقط فتردون علم تأويلها للذي لا يعلم بتأويل المتشابه سواه الله ربّ العالمين، ويُعلّم بِهنَّ من يشاء من عباده فبالله عليكم ألم نحاجكم بِالآيات المحكمات ولكِنكُم تذروها وراء ظُهوركم ثم تحاجوني بالآيات المتشابهات ومن ثم آتيكم بتأويلها الحقّ فأخرس ألسنتكُم ومن ثم تصمتون يا معشر علماء الأمَّة الذين حاوروني كثيرٌ منكم حتى إذا وجدوا أني هيمنت عليهم بالآيات المحكمات ثم هيمنت عليهم بسلطان علم المتشابه من القرآن فإذا هم يصمتون فيقولون فهل هذا هو المهديّ المنتظَر أم شيطانٌ أشر؟ ولا يزالون في ريبهم يترددون كمثل الكافرين حتى يرون العذاب الأليم .
ولكن الحمد لله الذي جعل من أنصار المهديّ المنتظَر في ذات البشر، وهي عقولهم ، ولكنهم عصوا عقولهم التي لا تعمى، وذلك لأن سبب صمت علماء المسلمين هي أن عقولهم لا تخالف لدعوة المهديّ المنتظَر وتقول لهم إنكم أنتم الظالِمون، ولكنهم لا يوقنون بحكم عقولِهم بينهم وبين المهديّ المنتظَر كما لم يوقن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بحكم الطرف الثالث الذي حكم بين رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين قومه، غير أن نبيّ الله إبراهيم لم يعلم بهذا الحكم الحقّ ولكن قومه علموا بالحكم بينهم وبين إبراهيم ولكنهم لم يستجيبوا للحكم الحقّ.
و لربّما يودّ أحد علماء الأمَّة أن يقاطعني فيقول ومن هم هؤلاء الحكام (العقول) الذين حكموا بين رسول الله إبراهيم وقومه؟ ثمّ يردّ عليه المهديّ المنتظَر وأقول:
{فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ}
صدق الله العظيم [الأنبياء:64]
فانظر أيّها العالم من هم الذين حكموا بين رسول الله إبراهيم وقومه، وقالوا لقوم إبراهيم: {فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم، وسوف تجد أن هذا الحُكم الحقّ صدر من عقول قوم إبراهيم فتوى إلى أنفُسِهمْ حين رجعوا إلى أنفُسِهمْ بالتفكير، فقالت عقولهم لأنفسِهمْ إنكم أنتم الظالمون، وكلّ واحدٍ من قوم إبراهيم تلقى الفتوى من عقله حين جعلهم إبراهيم يتفكرون بعقولهم وقال:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿٥١﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أنتم لَهَا عَاكِفُونَ ﴿٥٢﴾ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿٥٣﴾ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أنتم وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مبين ﴿٥٤﴾ قَالُوا أَجِئْتَنَا بالحقّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴿٥٥﴾ قَالَ بَل ربّكم رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴿٥٦﴾ وَتَاللَّـهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴿٥٧﴾فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴿٥٨﴾ قَالُوا مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا إنّه لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٩﴾ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ له إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٠﴾ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النّاس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴿٦١﴾ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴿٦٣﴾ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ﴿٦٥﴾ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾}
صدق الله العظيم [الأنبياء]
فانظروا لقول الله تعالى {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم، أي أنهم رجعوا إلى أنفُسِهمْ بالتفكير ثم جاءتهم الفتوى من عقولهم إلى أنفُسِهمْ {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم.
وذلك لأن الأبصار هي حقاً لا تعمى عن الحقّ ولكن ليس لها سلطان على الإنسان، ولكنها مستشارٌ أمينٌ لا يخون صاحبه ولا ربّه أبداً. تصديقاً لقول الله تعالى:
{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} صدق الله العظيم [الحج:46]
فانظروا إلى عقول قوم إبراهيم المجرمين فهل عميت عقولهِم عن الحقّ؟ كلا وربي، إنها أفتتهم أنهم هم الظّالِمُونَ والحق مع رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام. تصديقاً لقول الله تعالى {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم. فَمِنهُم الذين قالوا: {إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} ألا وإنها عقول قوم إبراهيم حين رجعوا إلى أنفُسِهمْ بالتفكير برهةً في شأن الأصنام فأفتتهُم عقولهم بالحقّ، ولكنهم لم يتبعوا عقولهم بسبب عدم يقينهم بفتوى عقولهم وقالوا إن آباءهم هم أعلم وأحكم فنحن على آثارهم مهتدون، فلم يتبعوا فتوى عقولهم كما لم يتبع كثيرٌ من المسلمين ممن أظهرهم الله على بيانات ناصر محمد اليماني فرضخت عقولهم ولكنهم رفضوا فتوى عقولهم وقالوا: "أرجلٌ واحد منا نتبعه ونذر كثيراً من الأئمة وعلماء الأمَّة هيهات هيهات؟". ألا لعنة الله على من أعرض عن كتاب الله بعدما تبين له الحقّ من ربّه، فانظروا لقول نبيّ الله إبراهيم لقومه:
{فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ﴿٦٥﴾ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴿٦٧﴾}
صدق الله العظيم [الأنبياء]
وقوله {أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم ، وكذلك المهديّ المنتظَر يقول: ذروا ما وجدتم عليه أسلافكم واتبعوني أهدكم صراطاً مستقيماً وإياكم أن تتبعوني في شيء يخالف للعقل والمنطق فترفضه عقولكم، وهيهات هيهات فهل حجّة الله عليكم إلا العقل والمنطق {أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم.
ألقى الشيطان فى أمنيتــــه..
قصة أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والتسليم.
ألقى الشيطان فى أمنية رسول الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام وآله - الباحثُ عن الحقّ الذي لم يقتنع بعبادة الأصنام ويرى أنهم لا ينفعون ولا يضرون، ومن ثم تفكر في خلق السموات والأرض وقال الله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مبين ﴿٧٤﴾ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا ربّي هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾}
[الأنعام]
ويا معشر أولي الألباب الذين يتدبرون الكتاب، تدبروا قول إبراهيم {قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾} صدق الله العظيم، وذلك هو التمني لاتباع الحقّ ولا يريد غير الحقّ وهذا هو البيان لشطر من الآية في قوله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى}صدق الله العظيم [الحج:52]
ومن ثم يهديه الله الحقّ إلى الحقّ. تصديقاً لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}صدق الله العظيم [العنكبوت:69]
ومن ثم نأتي لبيان قوله تعالى {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}، وذلك يأتي من بعد أن يهديه الله إلى الحقّ ويستخلصه لنفسه ويبعثه إلى النّاس رسولاً حتى إذا علم الله أن نبيه صار يعتقد في نفسه أنه لا ولن يشك في الحقّ الذي علمه الله به أبداً ونسي أن قلبه بيد ربّه يصرفه كيف يشاء ونسي أن الله يحول بين المرء وقلبه وأراد الله أن يُعلمهم درساً في العقيدة في علم الهدى فمن ثم يُلقي الشيطان في نفسه شكاً في الحقّ الذي قد صار يدعو النّاس إليه، ومن ثم يُحكم الله له آياته فيبيّنها له فيعلم أنه على الحقّ المبين ويطهِّر الله قلبه من الشكّ تطهيراً.
ونأتي الآن للبيان لقول الله تعالى: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} صدق الله العظيم، أي ألقى الشيطان في أمنيته شكاً من بعد أن تحققت أمنيته وهداه الله إلى الحقّ.
فنعود لقصة رسول الله إبراهيم هل حدث له هذا من بعد أن اجتهد اجتهاداً فكرياً وبحث عن الحقّ وهداه الله إليه واستخلصه لنفسه وجعله للناس إماماً ورسول الله إليهم وصار يدعوهم إلى الحقّ ومن ثم ألقى الشيطان في أمنيته الشكّ ومن ثم حكم الله له آياته وطهر قلبه مما ألقاه الشيطان. وقال الله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
[البقرة:260]......................................
كون الذين يجتبيهم الله إليه فيصطفيهم ويهدي قلوبهم فالسبب هو من عند أنفسهم وليس من عند آبائهم كمثل رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن السبب من عند أبيه كون أبيه ليس من الذين قال الله عنهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} صدق الله العظيم، بل كان آزر أبو إبراهيم من الضالين عن الصراط المستقيم من الذين يتبعون آباءهم الاتّباع الأعمى من غير تفكر ولا تدبر، ولكن إبراهيم المتفكر والمتدبر لم يقتنع بما وجد عليه أبيه وقومه وتفكّر وبحث عن الحق فاجتباه الله إليه وهداه وجعله من المرسلين. وقال الله:
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿٥١﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴿٥٢﴾ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿٥٣﴾ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٥٤﴾ }
صدق الله العظيم [الأنبياء]
فانظروا إلى آزر والد نبي الله إبراهيم من الذين يتبعون آباءهم الإتباع الأعمى من غير تفكر بالعقل والمنطق ولذلك كان رد أبيه وقومه: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ(53) } صدق الله العظيم، وما أشبه اليوم بالبارحة فكثيرٌ هم الذين ضلّوا عن الصراط المستقيم بسبب الاتباع الأعمى للذين من قبلهم بحجة أنهم السلف الصالح فلا تجدونهم يستخدمون عقولهم شيئاً، فضلُّوا أنفسهم وأَضَلّوا أمتهم، ولا نطعن في السلف من الصالحين وإنما نطعن في افتراء الشياطين عن أسلافهم كذباً وزوراً. وحتى لا نخرج عن الموضوع نعود إلى الذين اجتباهم الله بسببٍ من عند أنفسهم وهم الذين جاهدوا بالبحث عن معرفة الطريق الحق إلى ربهم فاجتباهم ربهم وتقبلهم وهداهم إلى صراط العزيز الحميد، ومن الذين اجتباه الله وهداه واصطفاه بسببٍ من عند نفسه نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام. تصديقاً لقول الله تعالى:
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(121) }صدق الله العظيم [النحل]
والسؤال الذي يطرح نفسه أليس سبب الاجتباء والهدى كان من عند إبراهيم حتى اجتباه الله وهداه إلى الصراط المستقيم؟ والجواب تجدوه في محكم الكتاب إن السبب كان من عند إبراهيم أناب إلى ربه ليهدي قلبه إلى الحق بل كان متألماً قلبه من قبل الهدى كونه يريد أن يتبع الحق الذي لا شك ولا ريب فيه، ولذلك قال إبراهيم المنيب:
{ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ }صدق الله العظيم [الأنعام:77]إولذلك اجتباه الله وهدى قلبه إلى الصراط المستقيم فقال:{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٧٩﴾ }صدق الله العظيم [الأنعام]
وهداه الله إليه بسبب وعده بالحق في محكم كتابه ليهدي قلوب الباحثين عن الحق إلى الصراط المستقيم شرط تألم القلب والحسرة لو لم يكن على الصراط المستقيم كمثل قول نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام:
{ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ }صدق الله العظيم [الأنعام:77]
فتجدون التألم يملأ قلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام كونه لا يريد أن يكون من الضالين أصحاب الاتّباع الأعمى بل يريد أن يتبع الحق من ربه ولذلك هداه الحق إلى الحق إنه سميع مجيب. تصديقاً لقول الله تعالى:
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }صدق الله العظيم.........................................
ويا أحبتي الباحثين عن الحقّ، حقيق لا يفتيكم المهديّ المنتظَر إلا بالحقّ من محكم الذكر، فأمّا تسمية الكواكب فيطلق بشكل عام على الكواكب المضيئة والمنيرة فجميعها كواكب سواء يكون الكوكب سراجاً وهاجاً أو كوكباً منيراً كالقمر. تصديقاً لقول الله تعالى:
{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ﴿٦١﴾ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴿٦٢﴾}صدق الله العظيم [الفرقان]
وأجد في كتاب الله أن اسم الكواكب يطلق بشكل عام على الكواكب المضيئة والمنيرة ألم يقل الله تعالى:{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴿٦﴾ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴿٧﴾ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴿٨﴾ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴿٩﴾}صدق الله العظيم [الصافات]
فماهي الكواكب المقصودة في هذه الآية؟ وتجدون الجواب في محكم الكتاب في قول الله تعالى:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ}صدق الله العظيم [الملك:5]
وكذلك أجد في الكتاب أن الله يُطلق اسم النّجوم على الكواكب بشكل عام المضيئة والمنيرة، فما هي النّجوم التي نظر إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنظرة المتدبر والمتفكر حين جنَّ عليه الليل؟ وتجدون الجواب في محكم الكتاب في قول الله تعالى:
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا ربّي هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴿٧٨﴾} صدق الله العظيم [الأنعام]
كون نبيّ الله إبراهيم نظر إلى الكواكب المضيئة والمنيرة بشكل عام، فشاهد أحد الأراضين السبع من بعد أرضنا. تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴿٧٦﴾}صدق الله العظيم [الأنعام]
إذاً الكوكب الذي شاهده هو أحد ملكوت الأرض، وهو كوكب أحد الأراضين السبع من بعد أرضنا الأم، كون الأراضين السبع هي كواكبٌ معلقةٌ في الفضاء من بعد أرضنا. لذلك قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} صدق الله العظيم
إذاً الكوكب الذي شاهده خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أحد ملكوت الأرض السبعة، شاهده عند الغروب في ميقات المغرب، فلما أفل وغاب قال {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، ومن ثم نظر إلى القمر بازغاً بالشرق وكانت ليلة النّصف من الشهر ليلة التفكر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض، ومن ثم تفكر في القمر وقال: "بل سوف اتخذه إلهي كونه أكبر من ذلك الكوكب الذي أفل قبل قليل"، واستمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام طيلة تلك الليلة ليلة النّصف من الشهر وهو ينظر إلى القمر البدر، وهو كان على فراشه بالعراء المكشوف وساهر المنام من استمرار التفكر بحثاً عن الحقّ، حتى إذا غرب القمر عن ناظريه عند ميقات نداء صلاة الفجر ولم يطمئن قلبه لعبادة القمر ومن ثم أصابه السقم النّفسي كونه لم يطمئن قلبه لعبادة الكواكب وهو يريد أن يعبد الحقّ، وبما أنه يريد من ربّه أن يهديه إلى الحقّ بعد أن أصابة السقم النّفسي وهو يبحث عن الحقّ وكان ينظر إلى القمر البدر طيلة الليلة حتى الفجر، فلما أفل وغرب عن ناظريه عند صلاة الفجر وهو لم يتوصل إلى الحقيقة بعد، ولذلك قال:
{لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} صدق الله العظيم [الأنعام:77]
ومن ثم أشرقت الشمس، فنظر إليها نظرة التدبر والتفكر فقال: {قَالَ هَذَا ربّي هَذَا أَكْبَرُ}، حتى إذا غربت جاءه الهدى بعد مضي 24 ساعة من صلاة المغرب إلى صلاة المغرب؛ يوماً كاملاً، و بعد انقضاء نهار تلك الليلة ومن ثم هدى الله قلبه إلى ربّه الحقّ الذي فطر السماوات والأرض. وقال الله تعالى:
{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا ربّي هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٧٩﴾}
صدق الله العظيم [الأنعام]
ونستنبط من ذلك أحكاماً وتسمياتٍ فمن الأحكام أن الله يهدي الباحث عن الحقّ إلى الحقّ. تصديقاً لوعده الحق:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} صدق الله العظيم [العنكبوت]
ونستنبط بدء اليوم أنه من المغرب إلى المغرب، كونه استمر في التفكر والتدبر منذ أن جنَّ عليه الليل عند صلاة المغرب إلى أن غربت شمس تلك الليلة بعد انقضاء النّهار، وبما أنه مضت 24 ساعة متواصلة وخليل الله إبراهيم يبحث عن الحقّ ومُصرٌّ بين يدي ربّه وهو لم ينمْ الليل ولا النّهار، ويريد من ربّه أن يهديه إلى الحقّ، ومن ثم هداه الله إلى الحقّ وأن الأحق بالعبادة هو الذي فطر السماوات والأرض والشمس والقمر.
ولذلك قال نبيّ الله إبراهيم:{قَالَ بَل ربّكم رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}صدق الله العظيم [الأنبياء:56]
وكذلك نستنبط أن اسم النّجوم يطلق على الكواكب المضيئة والكواكب المنيرة. ولذلك قال الله تعالى:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النّجوم ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾}صدق الله العظيم [الصافات]
وما يقصد إبراهيم بقوله إني سقيم؟ وإنما يقصد أنه متألمٌ نفسياً، كونه يريد أن يعبد الحقّ وليس الباطل، وتجدون الجواب في محكم الكتاب:
{قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}صدق الله العظيم [الأنعام:77]
ولكن بعد النظرة إلى النّجوم وكيف أفلت لم يقتنع بعبادتها من دون الله، ومن ثم جاءه الهدى واصطفاه الله رسولاً لقومه فحاجوه. وقال الله تعالى:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النّجوم ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴿٩٠﴾ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿٩١﴾ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ﴿٩٢﴾ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴿٩٣﴾ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴿٩٤﴾ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿٩٥﴾ وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُوا ابْنُوا له بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿٩٨﴾}صدق الله العظيم [الصافات]
وإنما جاء في هذه الآيات خبرٌ مختصر عن قصة خليل الله إبراهيم كونه سبق تفصيل قصته من قبل، ولذلك جاءت القصة باختصار في هذا الموضع من البداية حين كان باحثاً عن الحقّ حتى هداه الله إلى الحقّ واصطفاه رسولاً لقومه فكذبوه ودمر أصنامهم فألقوه في نار الجحيم ونصره الله وأنجاه من مكرهم، وكل هذه الأخبار المختصرة عن قصة خليل الله إبراهيم في قول الله تعالى:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النّجوم ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴿٩٠﴾ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿٩١﴾ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ﴿٩٢﴾ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴿٩٣﴾ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴿٩٤﴾ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿٩٥﴾ وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُوا ابْنُوا له بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿٩٨﴾} صدق الله العظيم [الصافات]
فكم أدهشني قول المفسرين أن إبراهيم قال لقومه إني سقيمٌ أي مريضٌ بمرض معديٍّ حتى يهربوا عنه! ويا عجبي من فتواهم!! وما علاقة النّجوم بالمرض لو كنتم صادقين؟ ومن ثم نردّ عليهم بالحقّ ونقول: بل خليل الله إبراهيم توعد قومه أن يكيد لأصنامهم بعد أن يتولَّوا عنه فيذهبوا من المعبد التي نصبوا فيها آلهتهم، ولم يكذب عليهم كما تزعمون أنه كذب عليهم أنه مريض بمرض معديٍّ ليهرب منه قومه؛ بل أعلن الحرب على آلهتهم بين أيديهم، ولكن قومه خوّفوه من بطش آلهتهم به لو يمسسها بسوءٍ. ولذلك قال الله تعالى:{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}صدق الله العظيم [الأنعام:80]
إذاً إبراهيم عليه الصلاة والسلام توعد قومه أن يكيد لأصنامهم جهاراً نهاراً بعد أن يولَّوا مدبرين عنها من المعبد، ولكنهم تحدّوه ببطش آلتهم، ولذلك قال خليل الله إبراهيم {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} صدق الله العظيم .
..............................
مزيد من البيان من قصة إبراهيم الخليل عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم..
سلام الله عليكم أحبتي في الله، إني أراكم فسَّرتم ضحك زوجة نبيّ الله إبراهيم أنه بسبب التعجب من قول الملائكة بالبشرى بالذريّة، ولكن يا أحبتي في الله إن كنّا وجدنا أن الضحك قبل البشرى بالذريّة فصدقَ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني في بيانه عن سبب الضحك ولم تصيبوا البيان الحقّ عن سبب الضحك،وإن وجدنا أن الضحك حدث من بعد البشرى فالحقّ معكم، وإلى الحكم من محكم كتاب الله. قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
وإلى الحكم مرّة أخرى. قال الله تعالى:{فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
إذاً البشرى بالذريّة لها لم يأتِ إلا من بعد الضحك. تصديقاً لقول الله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
إذاً الضحك هو حدث من قبل أن يبشِّروها بالذريّة أحبتي في الله، وتبيّن لكم إنّ سبب ضحكِها أنّه حقاً كان بسبب موقفِ الرّوعِ الذي حدث لزوجها إبراهيم عليهم الصلاة والسلام كما سبق وأن فصّلنا في بيانٍ قبل هذا عن سببِ ضحكِ زوجة نبيّ الله إبراهيم. وما يلي البيان الذي كتبناه بعنوان:
إنّ الموقف الذي حدث لنبيّ الله إبراهيم مع ضيفه الذين لا يأكلون شبيه بمواقف الكاميرا الخفيّة
وذلك ما أضحك زوجة إبراهيم عليهم الصلاة والسلام..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على كافة أنبياء الله ورسله وآلهم الطيبين وجميع المسلمين التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد..
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته أحبتي في الله الباحثين عن الحقّ وأحبتي الأنصار المكرمين، إني أراكم تتجادلون عن السبب لضحك زوجة إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وآلهم المكرمين، ومن ثمّ نفتيكم عن سبب ضحكها عليها الصلاة والسلام، ألا وإنّ سبب ضحكها هو من الموقف الذي حدث لزوجها إبراهيم عليهم الصلاة والسلام لكونه ناله الفزع من ضيفه الذين لا يأكلون، وخافت بادئ الأمر على زوجِها ونفسِها من ضيفه الذين لم يأكلوا وكأنهم نَوَوا الشرّ، حتى إذا تبيّن لها ولزوجها أنهم ضيفٌ مكرمون لا يأكلون الطعام فذهب عنها الرّوع وعن زوجها ومن ثم ضحكت من الموقف الذي حدث لزوجها مع ضيفه المكرمين.
وهذا من طبع البشر أي الضحك في بعض المواقف كمثل أن يفزع أحدكم من شيء ولم يُحدث له مكروه فتجد من حوله يضحكون من الموقف الذي حدث له، وعلى سبيل المثال أحداث الكاميرا الخفيّة فتجدون أنفسكم تضحكون من ذلك الذي حدث له موقفٌ أفزعه برغم أنه موقفُ الكاميرا الخفيّة وليس حقيقة ولم يحدث له مكروه، ولكن الذي حدث له الموقف كان يتصور الأمر حقيقة. وكذلك الموقف الذي حدث لخليل الله إبراهيم فما أشبهه بمواقف الكاميرا الخفيّة برغم أن ضيوفه لم يعدّوا له موقفَ الكاميرا الخفيّة، ولكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يسأل ضيوفه من أي البلاد ومن أي قبيلةٍ كونه يريد أن يكرمهم لوجه الله لا لكونهم من قبيلة آل فلان، ولم يكُن يعلم الضيفُ أنّه ذبح لهم عجلاً كونهم لم يخرجوا من مضافهم الذي أنزلهم فيه خليل الله إبراهيم وذلك من أدب الضيافة، فلزموا أماكنهم في مضافهم الذي أنزلهم فيه خليل الله إبراهيم عليه وعليهم الصلاة، ومكثوا منتظرين في أماكنهم لم يغادروها قدر ساعات من الوقت، وذلك من آداب الضيف أن يمكث في مكانه فلا يخرج إلا لقضاء الحاجة بإذن المضيف، وذلك حتى لا يطَّلع على عورات نساء المُضيف الذي أكرمه بالضيافة خصوصاً في منازل بدو البوادي، ولذلك مكثوا في أماكنهم ولم يخرجوا بحثاً عن إبراهيم حين تأخر عليهم صلى الله عليه وعليهم وآل إبراهيم المكرمين وجميع المسلمين، حتى دخل عليهم إبراهيم وزوجته - عليهم الصلاة والسلام - بعجلٍ حنيذٍ وقد استغرق وقتاً في ذبحه وسلخه وطبخه حنيذاً، حتى إذا تفاجأوا بأن إبراهيم قد أحضر لهم عجلاً حنيذاً فوضعه بين أيديهم وقال لهم: تفضلوا وسمُّوا بالله وكلوا منه حلالاً طيباً. وقال الله تعالى:
{فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
وإنما ضحكت من الموقف بعد أن ذهب الرَّوع عن زوجها وليس بضحك القهقهة بل تبسمت ضاحكةً من زوجها، ولم تكن متبرِّجةً زوجةَ نبيّ الله إبراهيم بل أقبلت في صرة تحمل مع نبيّ الله إبراهيم العجل في إناءٍ واسعٍ، والصَّرّة هو الثوب الذي يصرّ الرؤية عن جسدها، وأما وجهها فكانت كاشفةً وجهها، وحين سمعت البشرى من الملائكة إلى خليل الله إبراهيم بالذريّة استحيت فوضعت يديها على وجهها من الحياء فقالت:
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴿٧٢﴾قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ رَحْمَتُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ﴿٧٣﴾}صدق الله العظيم [هود]
وذلك هو البيان لبعض ما جاء في قول الله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
وربّما يودّ أحد الذين جادلوا الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني من الذين أفتوا بتبرج وجّه المرأة أن يقول: "الآن نطقت بالحقّ في تبرج وجّه المرأة ألم نقل لك يا ناصر محمد إنّ كشف الوجه والأقدام ليس للمحارم فقط بل كذلك للأجانب؟". ومن ثمّ يقيم عليهم الحجّة بالحقّ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: لقد أذن الله للمرأة القاعد من الحيض أن تضع جلبابها فتكتفي بالثوب الذي يغطي عورة جسدها إلا وجهها وكفيها وقدميها فأحلّ الله لها أن تكشفهم أمام الأجانب بشرط أن لا تكون متبرِّجة بزينة كالبودرة والكحل وما شابهها مما تتزين به المرأة، أو من لبس الحليّ. تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}صدق الله العظيم [النور:60]
وكذلك الضحك يأتي في المواقف التي فيها الفزع على الآخرين بعد العلم أنه لن يصيب الذي فزع مكروه، مثال موقف النّمل الذي فزع من سليمان وجنوده أن يحطمنّهم بأرجلهم وخيولهم وهم لا يشعرون، ولذلك أمرت ملكة النّمل جيوشها بالهرب إلى جحورهم تحت الأرض حتى لا يحطِّمنَّهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون عليهم الصلاة والسلام من صلح منهم. وقال الله تعالى:{حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أيّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴿١٨﴾فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴿١٩﴾}صدق الله العظيم [النمل]
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
أخوكم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
______________
ويا معشر المفسرين من أصحاب كتب التّفسير لكلام الله، لماذا تقولون على الله مالا تعلمون أنه الحقّ لا شك ولا ريب أفلا تتقون؟ وأما معشر الباحثين فلهم الحقّ أن يبحثوا ويتفكروا في كلام الله في آياته البينات ويتوقعوا بيانها وما يقصده الله من كلامه، وأهم شيء أن لا يفتوا بها من قبل أن يجدوا البرهان المبين لبيانها المفصل في الكتاب، ولا خوف عليكم أحبتي الأنصار السابقين الأخيار فمن وراءكم إمامٌ مصطفى لكم من ربّ العالمين يأتيكم بالبيان الحقّ وأحسن تفسيراً، غير أني أحذركم أن لا تأخذ أحدكم العزة بالإثم بعدما تبين له الحقّ فيصر على ماتوصل إليه بفكره بغير سلطانٍ من الرحمن في محكم القرآن؛ بل أطيعوا واتبعوا الحقّ وما بعد الحقّ إلا الضلال.
الامام ناصر محمد اليماني.._____________
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدي محمد رسول الله وآله الأطهار، وجميع أنصار الله في الأولين وفي الآخرين إلى يوم الدين، أما بعد..
أقسمُ بمن رفع السبع الشداد وثبت الأرض بِالأوتاد أنكم اتبعتم أمر الشيطان الذي أمركم أن تقولوا على الله مالا تعلمون، وعصيتم أمر الرحمن الذي أمركم وحرّم عليكم أن تقولوا على الله مالا تعلمون، فأعرضتم عن أمر الرحمن واتبعتُم أمر الشيطان، وفسرتُم القرآن من ذات أنفُسِكُم بالظنّ الذي لا يُغني من الحقّ شيئاً، ولذلك اتبعتم مُتشابهه وأعرضتم عن مُحكمه الذي لا يحتاج لتأويل وهو الحقّ المُحكم من ربّكم.
ولكن في قلوبكم زيغٌ عن الحقّ الأبلج في الآيات المحكمات، وأمركم الله أن تتبعوا آيات الكتاب المحكمات البيّنات لِعالمكُم و جاهِلكُم، وأما الآيات المتشابهات فلم يأمُركم الله إلا بالإيمان بها فقط فتردون علم تأويلها للذي لا يعلم بتأويل المتشابه سواه الله ربّ العالمين، ويُعلّم بِهنَّ من يشاء من عباده فبالله عليكم ألم نحاجكم بِالآيات المحكمات ولكِنكُم تذروها وراء ظُهوركم ثم تحاجوني بالآيات المتشابهات ومن ثم آتيكم بتأويلها الحقّ فأخرس ألسنتكُم ومن ثم تصمتون يا معشر علماء الأمَّة الذين حاوروني كثيرٌ منكم حتى إذا وجدوا أني هيمنت عليهم بالآيات المحكمات ثم هيمنت عليهم بسلطان علم المتشابه من القرآن فإذا هم يصمتون فيقولون فهل هذا هو المهديّ المنتظَر أم شيطانٌ أشر؟ ولا يزالون في ريبهم يترددون كمثل الكافرين حتى يرون العذاب الأليم .
ولكن الحمد لله الذي جعل من أنصار المهديّ المنتظَر في ذات البشر، وهي عقولهم ، ولكنهم عصوا عقولهم التي لا تعمى، وذلك لأن سبب صمت علماء المسلمين هي أن عقولهم لا تخالف لدعوة المهديّ المنتظَر وتقول لهم إنكم أنتم الظالِمون، ولكنهم لا يوقنون بحكم عقولِهم بينهم وبين المهديّ المنتظَر كما لم يوقن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بحكم الطرف الثالث الذي حكم بين رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين قومه، غير أن نبيّ الله إبراهيم لم يعلم بهذا الحكم الحقّ ولكن قومه علموا بالحكم بينهم وبين إبراهيم ولكنهم لم يستجيبوا للحكم الحقّ.
و لربّما يودّ أحد علماء الأمَّة أن يقاطعني فيقول ومن هم هؤلاء الحكام (العقول) الذين حكموا بين رسول الله إبراهيم وقومه؟ ثمّ يردّ عليه المهديّ المنتظَر وأقول:
{فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ}
صدق الله العظيم [الأنبياء:64]
فانظر أيّها العالم من هم الذين حكموا بين رسول الله إبراهيم وقومه، وقالوا لقوم إبراهيم: {فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم، وسوف تجد أن هذا الحُكم الحقّ صدر من عقول قوم إبراهيم فتوى إلى أنفُسِهمْ حين رجعوا إلى أنفُسِهمْ بالتفكير، فقالت عقولهم لأنفسِهمْ إنكم أنتم الظالمون، وكلّ واحدٍ من قوم إبراهيم تلقى الفتوى من عقله حين جعلهم إبراهيم يتفكرون بعقولهم وقال:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿٥١﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أنتم لَهَا عَاكِفُونَ ﴿٥٢﴾ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿٥٣﴾ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أنتم وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مبين ﴿٥٤﴾ قَالُوا أَجِئْتَنَا بالحقّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴿٥٥﴾ قَالَ بَل ربّكم رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴿٥٦﴾ وَتَاللَّـهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴿٥٧﴾فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴿٥٨﴾ قَالُوا مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا إنّه لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٩﴾ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ له إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٠﴾ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النّاس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴿٦١﴾ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴿٦٣﴾ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ﴿٦٥﴾ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾}
صدق الله العظيم [الأنبياء]
فانظروا لقول الله تعالى {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم، أي أنهم رجعوا إلى أنفُسِهمْ بالتفكير ثم جاءتهم الفتوى من عقولهم إلى أنفُسِهمْ {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم.
وذلك لأن الأبصار هي حقاً لا تعمى عن الحقّ ولكن ليس لها سلطان على الإنسان، ولكنها مستشارٌ أمينٌ لا يخون صاحبه ولا ربّه أبداً. تصديقاً لقول الله تعالى:
{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} صدق الله العظيم [الحج:46]
فانظروا إلى عقول قوم إبراهيم المجرمين فهل عميت عقولهِم عن الحقّ؟ كلا وربي، إنها أفتتهم أنهم هم الظّالِمُونَ والحق مع رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام. تصديقاً لقول الله تعالى {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم. فَمِنهُم الذين قالوا: {إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ} ألا وإنها عقول قوم إبراهيم حين رجعوا إلى أنفُسِهمْ بالتفكير برهةً في شأن الأصنام فأفتتهُم عقولهم بالحقّ، ولكنهم لم يتبعوا عقولهم بسبب عدم يقينهم بفتوى عقولهم وقالوا إن آباءهم هم أعلم وأحكم فنحن على آثارهم مهتدون، فلم يتبعوا فتوى عقولهم كما لم يتبع كثيرٌ من المسلمين ممن أظهرهم الله على بيانات ناصر محمد اليماني فرضخت عقولهم ولكنهم رفضوا فتوى عقولهم وقالوا: "أرجلٌ واحد منا نتبعه ونذر كثيراً من الأئمة وعلماء الأمَّة هيهات هيهات؟". ألا لعنة الله على من أعرض عن كتاب الله بعدما تبين له الحقّ من ربّه، فانظروا لقول نبيّ الله إبراهيم لقومه:
{فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ﴿٦٥﴾ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴿٦٧﴾}
صدق الله العظيم [الأنبياء]
وقوله {أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم ، وكذلك المهديّ المنتظَر يقول: ذروا ما وجدتم عليه أسلافكم واتبعوني أهدكم صراطاً مستقيماً وإياكم أن تتبعوني في شيء يخالف للعقل والمنطق فترفضه عقولكم، وهيهات هيهات فهل حجّة الله عليكم إلا العقل والمنطق {أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم.
ألقى الشيطان فى أمنيتــــه..
قصة أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والتسليم.
ألقى الشيطان فى أمنية رسول الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام وآله - الباحثُ عن الحقّ الذي لم يقتنع بعبادة الأصنام ويرى أنهم لا ينفعون ولا يضرون، ومن ثم تفكر في خلق السموات والأرض وقال الله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مبين ﴿٧٤﴾ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا ربّي هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾}
[الأنعام]
ويا معشر أولي الألباب الذين يتدبرون الكتاب، تدبروا قول إبراهيم {قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾} صدق الله العظيم، وذلك هو التمني لاتباع الحقّ ولا يريد غير الحقّ وهذا هو البيان لشطر من الآية في قوله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى}صدق الله العظيم [الحج:52]
ومن ثم يهديه الله الحقّ إلى الحقّ. تصديقاً لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}صدق الله العظيم [العنكبوت:69]
ومن ثم نأتي لبيان قوله تعالى {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}، وذلك يأتي من بعد أن يهديه الله إلى الحقّ ويستخلصه لنفسه ويبعثه إلى النّاس رسولاً حتى إذا علم الله أن نبيه صار يعتقد في نفسه أنه لا ولن يشك في الحقّ الذي علمه الله به أبداً ونسي أن قلبه بيد ربّه يصرفه كيف يشاء ونسي أن الله يحول بين المرء وقلبه وأراد الله أن يُعلمهم درساً في العقيدة في علم الهدى فمن ثم يُلقي الشيطان في نفسه شكاً في الحقّ الذي قد صار يدعو النّاس إليه، ومن ثم يُحكم الله له آياته فيبيّنها له فيعلم أنه على الحقّ المبين ويطهِّر الله قلبه من الشكّ تطهيراً.
ونأتي الآن للبيان لقول الله تعالى: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} صدق الله العظيم، أي ألقى الشيطان في أمنيته شكاً من بعد أن تحققت أمنيته وهداه الله إلى الحقّ.
فنعود لقصة رسول الله إبراهيم هل حدث له هذا من بعد أن اجتهد اجتهاداً فكرياً وبحث عن الحقّ وهداه الله إليه واستخلصه لنفسه وجعله للناس إماماً ورسول الله إليهم وصار يدعوهم إلى الحقّ ومن ثم ألقى الشيطان في أمنيته الشكّ ومن ثم حكم الله له آياته وطهر قلبه مما ألقاه الشيطان. وقال الله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
[البقرة:260]......................................
كون الذين يجتبيهم الله إليه فيصطفيهم ويهدي قلوبهم فالسبب هو من عند أنفسهم وليس من عند آبائهم كمثل رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن السبب من عند أبيه كون أبيه ليس من الذين قال الله عنهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} صدق الله العظيم، بل كان آزر أبو إبراهيم من الضالين عن الصراط المستقيم من الذين يتبعون آباءهم الاتّباع الأعمى من غير تفكر ولا تدبر، ولكن إبراهيم المتفكر والمتدبر لم يقتنع بما وجد عليه أبيه وقومه وتفكّر وبحث عن الحق فاجتباه الله إليه وهداه وجعله من المرسلين. وقال الله:
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿٥١﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴿٥٢﴾ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿٥٣﴾ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٥٤﴾ }
صدق الله العظيم [الأنبياء]
فانظروا إلى آزر والد نبي الله إبراهيم من الذين يتبعون آباءهم الإتباع الأعمى من غير تفكر بالعقل والمنطق ولذلك كان رد أبيه وقومه: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ(53) } صدق الله العظيم، وما أشبه اليوم بالبارحة فكثيرٌ هم الذين ضلّوا عن الصراط المستقيم بسبب الاتباع الأعمى للذين من قبلهم بحجة أنهم السلف الصالح فلا تجدونهم يستخدمون عقولهم شيئاً، فضلُّوا أنفسهم وأَضَلّوا أمتهم، ولا نطعن في السلف من الصالحين وإنما نطعن في افتراء الشياطين عن أسلافهم كذباً وزوراً. وحتى لا نخرج عن الموضوع نعود إلى الذين اجتباهم الله بسببٍ من عند أنفسهم وهم الذين جاهدوا بالبحث عن معرفة الطريق الحق إلى ربهم فاجتباهم ربهم وتقبلهم وهداهم إلى صراط العزيز الحميد، ومن الذين اجتباه الله وهداه واصطفاه بسببٍ من عند نفسه نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام. تصديقاً لقول الله تعالى:
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(121) }صدق الله العظيم [النحل]
والسؤال الذي يطرح نفسه أليس سبب الاجتباء والهدى كان من عند إبراهيم حتى اجتباه الله وهداه إلى الصراط المستقيم؟ والجواب تجدوه في محكم الكتاب إن السبب كان من عند إبراهيم أناب إلى ربه ليهدي قلبه إلى الحق بل كان متألماً قلبه من قبل الهدى كونه يريد أن يتبع الحق الذي لا شك ولا ريب فيه، ولذلك قال إبراهيم المنيب:
{ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ }صدق الله العظيم [الأنعام:77]إولذلك اجتباه الله وهدى قلبه إلى الصراط المستقيم فقال:{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٧٩﴾ }صدق الله العظيم [الأنعام]
وهداه الله إليه بسبب وعده بالحق في محكم كتابه ليهدي قلوب الباحثين عن الحق إلى الصراط المستقيم شرط تألم القلب والحسرة لو لم يكن على الصراط المستقيم كمثل قول نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام:
{ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ }صدق الله العظيم [الأنعام:77]
فتجدون التألم يملأ قلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام كونه لا يريد أن يكون من الضالين أصحاب الاتّباع الأعمى بل يريد أن يتبع الحق من ربه ولذلك هداه الحق إلى الحق إنه سميع مجيب. تصديقاً لقول الله تعالى:
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }صدق الله العظيم.........................................
ويا أحبتي الباحثين عن الحقّ، حقيق لا يفتيكم المهديّ المنتظَر إلا بالحقّ من محكم الذكر، فأمّا تسمية الكواكب فيطلق بشكل عام على الكواكب المضيئة والمنيرة فجميعها كواكب سواء يكون الكوكب سراجاً وهاجاً أو كوكباً منيراً كالقمر. تصديقاً لقول الله تعالى:
{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ﴿٦١﴾ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴿٦٢﴾}صدق الله العظيم [الفرقان]
وأجد في كتاب الله أن اسم الكواكب يطلق بشكل عام على الكواكب المضيئة والمنيرة ألم يقل الله تعالى:{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴿٦﴾ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴿٧﴾ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴿٨﴾ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴿٩﴾}صدق الله العظيم [الصافات]
فماهي الكواكب المقصودة في هذه الآية؟ وتجدون الجواب في محكم الكتاب في قول الله تعالى:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ}صدق الله العظيم [الملك:5]
وكذلك أجد في الكتاب أن الله يُطلق اسم النّجوم على الكواكب بشكل عام المضيئة والمنيرة، فما هي النّجوم التي نظر إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنظرة المتدبر والمتفكر حين جنَّ عليه الليل؟ وتجدون الجواب في محكم الكتاب في قول الله تعالى:
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا ربّي هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴿٧٨﴾} صدق الله العظيم [الأنعام]
كون نبيّ الله إبراهيم نظر إلى الكواكب المضيئة والمنيرة بشكل عام، فشاهد أحد الأراضين السبع من بعد أرضنا. تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَـٰذَا ربّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴿٧٦﴾}صدق الله العظيم [الأنعام]
إذاً الكوكب الذي شاهده هو أحد ملكوت الأرض، وهو كوكب أحد الأراضين السبع من بعد أرضنا الأم، كون الأراضين السبع هي كواكبٌ معلقةٌ في الفضاء من بعد أرضنا. لذلك قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} صدق الله العظيم
إذاً الكوكب الذي شاهده خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أحد ملكوت الأرض السبعة، شاهده عند الغروب في ميقات المغرب، فلما أفل وغاب قال {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، ومن ثم نظر إلى القمر بازغاً بالشرق وكانت ليلة النّصف من الشهر ليلة التفكر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض، ومن ثم تفكر في القمر وقال: "بل سوف اتخذه إلهي كونه أكبر من ذلك الكوكب الذي أفل قبل قليل"، واستمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام طيلة تلك الليلة ليلة النّصف من الشهر وهو ينظر إلى القمر البدر، وهو كان على فراشه بالعراء المكشوف وساهر المنام من استمرار التفكر بحثاً عن الحقّ، حتى إذا غرب القمر عن ناظريه عند ميقات نداء صلاة الفجر ولم يطمئن قلبه لعبادة القمر ومن ثم أصابه السقم النّفسي كونه لم يطمئن قلبه لعبادة الكواكب وهو يريد أن يعبد الحقّ، وبما أنه يريد من ربّه أن يهديه إلى الحقّ بعد أن أصابة السقم النّفسي وهو يبحث عن الحقّ وكان ينظر إلى القمر البدر طيلة الليلة حتى الفجر، فلما أفل وغرب عن ناظريه عند صلاة الفجر وهو لم يتوصل إلى الحقيقة بعد، ولذلك قال:
{لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} صدق الله العظيم [الأنعام:77]
ومن ثم أشرقت الشمس، فنظر إليها نظرة التدبر والتفكر فقال: {قَالَ هَذَا ربّي هَذَا أَكْبَرُ}، حتى إذا غربت جاءه الهدى بعد مضي 24 ساعة من صلاة المغرب إلى صلاة المغرب؛ يوماً كاملاً، و بعد انقضاء نهار تلك الليلة ومن ثم هدى الله قلبه إلى ربّه الحقّ الذي فطر السماوات والأرض. وقال الله تعالى:
{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا ربّي هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٧٩﴾}
صدق الله العظيم [الأنعام]
ونستنبط من ذلك أحكاماً وتسمياتٍ فمن الأحكام أن الله يهدي الباحث عن الحقّ إلى الحقّ. تصديقاً لوعده الحق:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} صدق الله العظيم [العنكبوت]
ونستنبط بدء اليوم أنه من المغرب إلى المغرب، كونه استمر في التفكر والتدبر منذ أن جنَّ عليه الليل عند صلاة المغرب إلى أن غربت شمس تلك الليلة بعد انقضاء النّهار، وبما أنه مضت 24 ساعة متواصلة وخليل الله إبراهيم يبحث عن الحقّ ومُصرٌّ بين يدي ربّه وهو لم ينمْ الليل ولا النّهار، ويريد من ربّه أن يهديه إلى الحقّ، ومن ثم هداه الله إلى الحقّ وأن الأحق بالعبادة هو الذي فطر السماوات والأرض والشمس والقمر.
ولذلك قال نبيّ الله إبراهيم:{قَالَ بَل ربّكم رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}صدق الله العظيم [الأنبياء:56]
وكذلك نستنبط أن اسم النّجوم يطلق على الكواكب المضيئة والكواكب المنيرة. ولذلك قال الله تعالى:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النّجوم ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾}صدق الله العظيم [الصافات]
وما يقصد إبراهيم بقوله إني سقيم؟ وإنما يقصد أنه متألمٌ نفسياً، كونه يريد أن يعبد الحقّ وليس الباطل، وتجدون الجواب في محكم الكتاب:
{قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي ربّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}صدق الله العظيم [الأنعام:77]
ولكن بعد النظرة إلى النّجوم وكيف أفلت لم يقتنع بعبادتها من دون الله، ومن ثم جاءه الهدى واصطفاه الله رسولاً لقومه فحاجوه. وقال الله تعالى:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النّجوم ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴿٩٠﴾ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿٩١﴾ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ﴿٩٢﴾ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴿٩٣﴾ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴿٩٤﴾ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿٩٥﴾ وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُوا ابْنُوا له بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿٩٨﴾}صدق الله العظيم [الصافات]
وإنما جاء في هذه الآيات خبرٌ مختصر عن قصة خليل الله إبراهيم كونه سبق تفصيل قصته من قبل، ولذلك جاءت القصة باختصار في هذا الموضع من البداية حين كان باحثاً عن الحقّ حتى هداه الله إلى الحقّ واصطفاه رسولاً لقومه فكذبوه ودمر أصنامهم فألقوه في نار الجحيم ونصره الله وأنجاه من مكرهم، وكل هذه الأخبار المختصرة عن قصة خليل الله إبراهيم في قول الله تعالى:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النّجوم ﴿٨٨﴾ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴿٨٩﴾ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴿٩٠﴾ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿٩١﴾ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ﴿٩٢﴾ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴿٩٣﴾ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴿٩٤﴾ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿٩٥﴾ وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُوا ابْنُوا له بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿٩٨﴾} صدق الله العظيم [الصافات]
فكم أدهشني قول المفسرين أن إبراهيم قال لقومه إني سقيمٌ أي مريضٌ بمرض معديٍّ حتى يهربوا عنه! ويا عجبي من فتواهم!! وما علاقة النّجوم بالمرض لو كنتم صادقين؟ ومن ثم نردّ عليهم بالحقّ ونقول: بل خليل الله إبراهيم توعد قومه أن يكيد لأصنامهم بعد أن يتولَّوا عنه فيذهبوا من المعبد التي نصبوا فيها آلهتهم، ولم يكذب عليهم كما تزعمون أنه كذب عليهم أنه مريض بمرض معديٍّ ليهرب منه قومه؛ بل أعلن الحرب على آلهتهم بين أيديهم، ولكن قومه خوّفوه من بطش آلهتهم به لو يمسسها بسوءٍ. ولذلك قال الله تعالى:{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}صدق الله العظيم [الأنعام:80]
إذاً إبراهيم عليه الصلاة والسلام توعد قومه أن يكيد لأصنامهم جهاراً نهاراً بعد أن يولَّوا مدبرين عنها من المعبد، ولكنهم تحدّوه ببطش آلتهم، ولذلك قال خليل الله إبراهيم {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} صدق الله العظيم .
..............................
مزيد من البيان من قصة إبراهيم الخليل عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم..
سلام الله عليكم أحبتي في الله، إني أراكم فسَّرتم ضحك زوجة نبيّ الله إبراهيم أنه بسبب التعجب من قول الملائكة بالبشرى بالذريّة، ولكن يا أحبتي في الله إن كنّا وجدنا أن الضحك قبل البشرى بالذريّة فصدقَ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني في بيانه عن سبب الضحك ولم تصيبوا البيان الحقّ عن سبب الضحك،وإن وجدنا أن الضحك حدث من بعد البشرى فالحقّ معكم، وإلى الحكم من محكم كتاب الله. قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
وإلى الحكم مرّة أخرى. قال الله تعالى:{فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
إذاً البشرى بالذريّة لها لم يأتِ إلا من بعد الضحك. تصديقاً لقول الله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
إذاً الضحك هو حدث من قبل أن يبشِّروها بالذريّة أحبتي في الله، وتبيّن لكم إنّ سبب ضحكِها أنّه حقاً كان بسبب موقفِ الرّوعِ الذي حدث لزوجها إبراهيم عليهم الصلاة والسلام كما سبق وأن فصّلنا في بيانٍ قبل هذا عن سببِ ضحكِ زوجة نبيّ الله إبراهيم. وما يلي البيان الذي كتبناه بعنوان:
إنّ الموقف الذي حدث لنبيّ الله إبراهيم مع ضيفه الذين لا يأكلون شبيه بمواقف الكاميرا الخفيّة
وذلك ما أضحك زوجة إبراهيم عليهم الصلاة والسلام..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على كافة أنبياء الله ورسله وآلهم الطيبين وجميع المسلمين التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد..
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته أحبتي في الله الباحثين عن الحقّ وأحبتي الأنصار المكرمين، إني أراكم تتجادلون عن السبب لضحك زوجة إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وآلهم المكرمين، ومن ثمّ نفتيكم عن سبب ضحكها عليها الصلاة والسلام، ألا وإنّ سبب ضحكها هو من الموقف الذي حدث لزوجها إبراهيم عليهم الصلاة والسلام لكونه ناله الفزع من ضيفه الذين لا يأكلون، وخافت بادئ الأمر على زوجِها ونفسِها من ضيفه الذين لم يأكلوا وكأنهم نَوَوا الشرّ، حتى إذا تبيّن لها ولزوجها أنهم ضيفٌ مكرمون لا يأكلون الطعام فذهب عنها الرّوع وعن زوجها ومن ثم ضحكت من الموقف الذي حدث لزوجها مع ضيفه المكرمين.
وهذا من طبع البشر أي الضحك في بعض المواقف كمثل أن يفزع أحدكم من شيء ولم يُحدث له مكروه فتجد من حوله يضحكون من الموقف الذي حدث له، وعلى سبيل المثال أحداث الكاميرا الخفيّة فتجدون أنفسكم تضحكون من ذلك الذي حدث له موقفٌ أفزعه برغم أنه موقفُ الكاميرا الخفيّة وليس حقيقة ولم يحدث له مكروه، ولكن الذي حدث له الموقف كان يتصور الأمر حقيقة. وكذلك الموقف الذي حدث لخليل الله إبراهيم فما أشبهه بمواقف الكاميرا الخفيّة برغم أن ضيوفه لم يعدّوا له موقفَ الكاميرا الخفيّة، ولكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يسأل ضيوفه من أي البلاد ومن أي قبيلةٍ كونه يريد أن يكرمهم لوجه الله لا لكونهم من قبيلة آل فلان، ولم يكُن يعلم الضيفُ أنّه ذبح لهم عجلاً كونهم لم يخرجوا من مضافهم الذي أنزلهم فيه خليل الله إبراهيم وذلك من أدب الضيافة، فلزموا أماكنهم في مضافهم الذي أنزلهم فيه خليل الله إبراهيم عليه وعليهم الصلاة، ومكثوا منتظرين في أماكنهم لم يغادروها قدر ساعات من الوقت، وذلك من آداب الضيف أن يمكث في مكانه فلا يخرج إلا لقضاء الحاجة بإذن المضيف، وذلك حتى لا يطَّلع على عورات نساء المُضيف الذي أكرمه بالضيافة خصوصاً في منازل بدو البوادي، ولذلك مكثوا في أماكنهم ولم يخرجوا بحثاً عن إبراهيم حين تأخر عليهم صلى الله عليه وعليهم وآل إبراهيم المكرمين وجميع المسلمين، حتى دخل عليهم إبراهيم وزوجته - عليهم الصلاة والسلام - بعجلٍ حنيذٍ وقد استغرق وقتاً في ذبحه وسلخه وطبخه حنيذاً، حتى إذا تفاجأوا بأن إبراهيم قد أحضر لهم عجلاً حنيذاً فوضعه بين أيديهم وقال لهم: تفضلوا وسمُّوا بالله وكلوا منه حلالاً طيباً. وقال الله تعالى:
{فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
وإنما ضحكت من الموقف بعد أن ذهب الرَّوع عن زوجها وليس بضحك القهقهة بل تبسمت ضاحكةً من زوجها، ولم تكن متبرِّجةً زوجةَ نبيّ الله إبراهيم بل أقبلت في صرة تحمل مع نبيّ الله إبراهيم العجل في إناءٍ واسعٍ، والصَّرّة هو الثوب الذي يصرّ الرؤية عن جسدها، وأما وجهها فكانت كاشفةً وجهها، وحين سمعت البشرى من الملائكة إلى خليل الله إبراهيم بالذريّة استحيت فوضعت يديها على وجهها من الحياء فقالت:
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴿٧٢﴾قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ رَحْمَتُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ﴿٧٣﴾}صدق الله العظيم [هود]
وذلك هو البيان لبعض ما جاء في قول الله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾}صدق الله العظيم [هود]
وربّما يودّ أحد الذين جادلوا الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني من الذين أفتوا بتبرج وجّه المرأة أن يقول: "الآن نطقت بالحقّ في تبرج وجّه المرأة ألم نقل لك يا ناصر محمد إنّ كشف الوجه والأقدام ليس للمحارم فقط بل كذلك للأجانب؟". ومن ثمّ يقيم عليهم الحجّة بالحقّ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: لقد أذن الله للمرأة القاعد من الحيض أن تضع جلبابها فتكتفي بالثوب الذي يغطي عورة جسدها إلا وجهها وكفيها وقدميها فأحلّ الله لها أن تكشفهم أمام الأجانب بشرط أن لا تكون متبرِّجة بزينة كالبودرة والكحل وما شابهها مما تتزين به المرأة، أو من لبس الحليّ. تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}صدق الله العظيم [النور:60]
وكذلك الضحك يأتي في المواقف التي فيها الفزع على الآخرين بعد العلم أنه لن يصيب الذي فزع مكروه، مثال موقف النّمل الذي فزع من سليمان وجنوده أن يحطمنّهم بأرجلهم وخيولهم وهم لا يشعرون، ولذلك أمرت ملكة النّمل جيوشها بالهرب إلى جحورهم تحت الأرض حتى لا يحطِّمنَّهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون عليهم الصلاة والسلام من صلح منهم. وقال الله تعالى:{حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أيّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴿١٨﴾فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴿١٩﴾}صدق الله العظيم [النمل]
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
أخوكم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
______________
ويا معشر المفسرين من أصحاب كتب التّفسير لكلام الله، لماذا تقولون على الله مالا تعلمون أنه الحقّ لا شك ولا ريب أفلا تتقون؟ وأما معشر الباحثين فلهم الحقّ أن يبحثوا ويتفكروا في كلام الله في آياته البينات ويتوقعوا بيانها وما يقصده الله من كلامه، وأهم شيء أن لا يفتوا بها من قبل أن يجدوا البرهان المبين لبيانها المفصل في الكتاب، ولا خوف عليكم أحبتي الأنصار السابقين الأخيار فمن وراءكم إمامٌ مصطفى لكم من ربّ العالمين يأتيكم بالبيان الحقّ وأحسن تفسيراً، غير أني أحذركم أن لا تأخذ أحدكم العزة بالإثم بعدما تبين له الحقّ فيصر على ماتوصل إليه بفكره بغير سلطانٍ من الرحمن في محكم القرآن؛ بل أطيعوا واتبعوا الحقّ وما بعد الحقّ إلا الضلال.
الامام ناصر محمد اليماني.._____________
1 التعليقات:
اللهم احشرنا مع نبيك إبراهيم عليه السلام
يوتيوب
إرسال تعليق